responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 573
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78)
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ [الْبَقَرَة: 75] عَطْفَ الْحَالِ عَلَى الْحَالِ ومِنْهُمْ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَتَقْدِيمُهُ لِلتَّشْوِيقِ إِلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ [الْبَقَرَة: 8] وَالْمَعْنَى كَيْفَ تَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُحَرِّفِينَ وَفَرِيقٌ جَهَلَةً وَإِذَا انْتَفَى إِيمَانُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْمَظْنُونُ بِهِمْ تَطَلُّبُ الْحَقِّ الْمُنْجِي وَالِاهْتِدَاءُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ فَكَانُوا يُحَرِّفُونَ الدِّينَ وَيُكَابِرُونَ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَسْرَارِ دِينِهِمْ فَكَيْفَ تَطْمَعُونَ أَيْضًا فِي إِيمَانِ الْفَرِيقِ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَأَلْهَى عَنْ تَطَلُّبِهِ وَأَضَلُّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَأَجْدَرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِأَئِمَّتِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ هُمُ الْمَاضُونَ. وَعَلَى هَذَا فَجُمْلَةُ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَخْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُعَادِلًا لَهَا مِنْ جِهَةِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ كَوْنِهَا حَالَةَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ وَهَذِهِ حَالَةُ فَرِيقٍ آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِذا لَقُوا [الْبَقَرَة: 76] وَقَوْلُهُ: وَإِذا خَلا [الْبَقَرَة: 76] فَتِلْكَ مَعْطُوفَاتٌ عَلَى جُمْلَةِ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ عَطْفَ الْحَالِ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى مِنْ قَوْلِهِ:
يَسْمَعُونَ الَّذِي هُوَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ وَبِهَذَا لَا يَجِيءُ فِي جُمْلَةِ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ التَّخْيِيرُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَطْفِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ هَلْ يُجْعَلُ الْأَخِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مَنِ الْمَعْطُوفَاتِ أَوْ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَعْمُولِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَرْجِعُ الْعَطْفِ جِهَةً وَاحِدَةً وَهُنَا قَدِ اخْتَلَفَتِ الْجِهَةُ.
وَالْأُمِّيُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمَّةِ بِمَعْنَى عَامَّةِ النَّاسِ فَهُوَ يُرَادِفُ الْعَامِّيَّ، وَقِيلَ: مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ وَهِيَ الْوَالِدَةُ أَيْ أَنَّهُ بَقِي على الْحَالة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَضَانَةِ أُمِّهِ إِيَّاهُ فَلَمْ يَكْتَسِبْ عِلْمًا جَدِيدًا وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْوَجْهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَقُولُوا أُمَّهِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ يَرُدُّ الْكَلِمَاتِ إِلَى أُصُولِهَا وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِ الْأُمِّ: أُمَّهَاتٌ فَرَدُّوا الْمُفْرَدَ إِلَى أَصْلِهِ فَدَلُّوا عَلَى أَنَّ أَصْلَ أُمٍّ أُمَّهَةٌ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ إِذَا نُقِلَتْ مِنْ حَالَةِ الِاشْتِقَاقِ إِلَى جَعْلِهَا أَعْلَامًا قَدْ يَقَعُ فِيهَا تَغْيِيرٌ لِأَصْلِهَا.
وَقَدِ اشْتُهِرَ الْيَهُودُ عِنْدَ الْعَرَبِ بِوَصْفِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلِذَلِكَ قِيلَ هُنَا: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ أَيْ لَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ. وَلَمْ تَكُنِ الْأُمِّيَّةُ فِي الْعَرَبِ وَصْفَ ذَمٍّ لَكِنَّهَا عِنْدَ الْيَهُودِ وَصْفُ ذَمٍّ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 573
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست